کد مطلب:167921 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:213

تأمل و ملاحظات
1) هذا النصّ الذی أورده ابن الاثیر یفید أنّ خطّة اغتیال عبیداللّه كانت من وضع شریك وعلی كراهیة من هانیء، لكنّ مصادر أخری ذكرت أنّ هانئاً هو الذی كان مریضاً، وهو صاحب خطّة اغتیال عبیداللّه بن زیاد، قال الیعقوبی: (وقدم عبیداللّه بن زیاد الكوفة، وبها مسلم بن عقیل قد نزل علی هانیء بن عروة، وهانیء شدید العلّة، وكان صدیقاً لابن زیاد، فلمّا قدم ابن زیاد الكوفة أُخبر بعلّة


هانیء، فأتاه لیعوده، فقال هانیء لمسلم بن عقیل وأصحابه وهم جماعة: إذا جلس ابن زیاد عندی وتمكّن، فإنّی سأقول اسقونی، فاخرجوا فاقتلوه...). [1] .

ویُرجّح أنّ خطّة اغتیال عبیداللّه بن زیاد كانت من وضع شریك الحارثی لانه كان من قبلُ فی الطریق من البصرة الی الكوفة قد بادر إلی التساقط هو وجماعة ممن معه لیقف علیهم ابن زیاد فیتأخّر عن الوصول إلی الكوفة ویسبقه الامام علیه السلام إلیها، كما أنّ شریكاً كان یحرّض هانئاً علی مساعدة مسلم علیه السلام والقیام بأمره، وقد روی الدینوری: أنّ شریكاً قال لمسلم علیه السلام: (إنّما غایتك وغایة شیعتك هلاك هذا الطاغیة، وقد أمكنك اللّه منه، هو صائرٌ إلیَّ لیعودنی، فقُم فادخل الخزانة، حتّی إذا اطمأنَّ عندی، فاخرج إلیه فقاتله، ثم صِرْ إلی قصر الامارة، فاجلس فیه فإنّه لاینازعك فیه أحدٌ من الناس، وإنْ رزقنی اللّه العافیة صِرتُ الی البصرة فكفیتك أمرها وبایع لك أهلها. فقال هانیء بن عروة: ما أحبّ أن یُقتل فی داری ابن زیاد!ّ فقال له شریك: ولِمَ؟ فواللّه إنّ قتله لقربان إلی اللّه!). [2] .

2) كانت كراهیة هانیء لقتل ابن زیاد فی بیته لاتختص بابن زیاد، بل هی كراهیة قتل أی رجل فی بیته، [3] وذلك تمسكاً بالاعراف والعادات العربیة التی لاتبیح قتل الضیف والقاصد إلیها فی بیوتها لما فی ذلك من سُبَّة ومعابة تبقی علی الالسن مدی الایام، وهذا لایعنی أنَّ هانئاً (رض) كان لایتمنی قتل ابن زیاد، فقد قال لمسلم علیه السلام علی ما فی روایة الطبری: (أما واللّه، لو قتلته لقتلت فاسقاً فاجراً


كافراً غادراً، ولكن كرهتُ أن یُقتل فی داری!). [4] .

3) أساءت بعض المصادر التأریخیّة إلی شخصیّة مسلم بن عقیل علیه السلام، إساءة منكرة إذ نسبت إلیه الجبن والفشل حیث لم یقدم علی قتل ابن زیاد، فقد قال الدینوری فی أخباره الطوال: (ثمّ قام عبیداللّه وخرج، فخرج مسلم بن عقیل من الخزانة، فقال شریك: ما الذی منعك منه إلاّ الجبن والفشل!؟)، [5] ومع اعتراف ابن قتیبة وهو دینوری آخر بأنَّ مسلماًعلیه السلام كان من أشجع الناس إلاّ أنّه ادّعی أنّ كبوة قد أخذت مسلماًعلیه السلام حین لم یقدم علی قتل ابن زیاد، یقول هذا الدینوری: (فخرج عبیداللّه، ولم یصنع الاخر شیئاً، وكان من أشجع الناس ولكنه أخذته كبوة..). [6] .

وهذا غیر صحیح، فلم یعرف مسلم علیه السلام الجبن، ولم تأخذه كبوة، وقد ذكرت مصادر تأریخیة أنّ كراهیة هانیء لقتل ابن زیاد بل لقتل أی رجل فی بیته، كانت واحداً من الاسباب التی منعت مسلماًعلیه السلام من تنفیذ خطة شریك، [7] كما ذكرت بعض مصادرنا المعتبرة أنّ أمرأة فی بیت هانیء كانت قد تعلّقت بمسلم علیه السلام وتوسّلت إلیه وهی تبكی ألاّ یقتل ابن زیاد فی دارهم، قال ابن نما (ره): (فخرج مسلم والسیف فی كفّه، وقال له شریك: یا هذا، ما منعك من الامر!؟ قال مسلم: لمّا هممتُ بالخروج فتعلّقت بی امرأة قالت: ناشدتك اللّه إن قتلت ابن زیاد فی دارنا! وبكت فی وجهی! فرمیت السیف وجلستُ.


قال هانیء: یا ویلها قتلتنی وقتلت نفسها، والذی فررتُ منه وقعتُ فیه!). [8] .

وهناك سببٌ آخر وهو أنّ مسلماًعلیه السلام ذكر أنّ السبب الذی منعه من قتل ابن زیاد إضافة إلی كراهیة هانیء (رض) لذلك هو حدیث سمعه عن علیّعلیه السلام عن رسول اللّه (ص): (إنّ الایمان قید الفتك، لایفتك مؤمن)، [9] والفتكُ لغة هو: (أن یأتی الرجلُ صاحبه وهو غارُّ غافلٌ حتّی یشدَّ علیه فیقتله، وإنْ لم یكنْ أعطاه أماناً قبل ذلك.). [10] .

وقد علّق هبة اللّه الشهرستانی (ره) علی تعلیل مسلم علیه السلام إحجامه عن قتل ابن زیاد بهذا الحدیث قائلاً: (كلمة كبیرة المغزی، بعیدة المدی، فإنَّ آل علیّ من قوّة تمسكهم بالحقّ والصدق نبذوا الغدر والمكر حتّی لدی الضرورة، واختاروا النصر الاجل بقوّة الحقّ علی النصر العاجل بالخدیعة، شنشنة فیهم معروفة عن أسلافهم، وموروثة فی أخلاقهم، كأنهم مخلوقون لاقامة حكم العدل والفضیلة فی قلوب العرفاء الاصفیاء، وقد حفظ التأریخ لهم الكراسی فی القلوب). [11] .


ومن الملفت للانتباه أنّ هناك إضافة مریبة فی نقل ابن الاثیر لمتن هذا الحدیث، وهی (فلایفتك مؤمن بمؤمن!) بدلاً من (فلایفتك مؤمن)، وكأنَّ ابن الاثیر أراد أنّ یطبّق الایمان علی عبیداللّه بن زیاد، وأنّ مسلماًعلیه السلام إنّما امتنع عن قتله لانّه مؤمن!!


[1] تأريخ اليعقوبي، 2: 243؛ وانظر: الامامة والسياسة:، 2:4.

[2] الاخبار الطوال: 234.

[3] جاء في كتاب تجارب الامم، 2:44: (فقال هانيء: إنّي لاكره قتل رجلٍ في منزلي).

[4] تأريخ الطبري، 3:282.

[5] الاخبار الطوال: 234.

[6] الامامة والسياسة، 2:4.

[7] راجع: تاريخ الطبري، 3:282؛ والكامل في التأريخ، 3:390؛ وتجارب الامم، 2:44.

[8] مثير الاحزان: 31 32؛ وهذه الرواية كاشفة عن أنّ هانئاً(رض) لم يكن يكره قتل ابن زياد في داره، أو أنه آثر قتله علي رغم تلك الكراهية، فتأمّل!.

[9] الاخبار الطوال: 235؛ وتأريخ الطبري، 3:282؛ وتجارب الامم، 2:44؛ وقد ذكر ذلك أيضاً الطبرسي (ره) في كتابه إعلام الوري: 223، وقال ابن شهرآشوب في المناقب، 3:364: (وقال أبوالصباح الكناني: قلتُ لابي عبداللّه عليه السلام: إنّ لنا جاراً من همدان يُقال له الجعد بن عبداللّه، يسبُّ أميرالمؤمنين عليه السلام أفتأذن لي أن أقتله؟ قال: إنّ الاسلام قيّد الفتك...).

[10] لسان العرب، 10:472 (فتك)؛ وقال: (ومنه الحديث: أنّ رجلاً أتي الزبير فقال له: ألاأقتلُ لك عليّاً؟ قال: فكيف تقتله؟ قال: أفتك به! قال: سمعت رسول اللّه 9 يقول: قَيَّدَ الايمانُ الفتكَ، لايفتك مؤمن).

[11] نهضة الحسين: 84.